شهد القطاع العقاري في البورصة المصرية خلال عام 2024 نموًا استثنائيًا، حيث ارتفع مؤشر قطاع العقارات (EGXREAL) بنسبة 61.12% على مدار العام، وبلغت قيمة التداول خلال جلسات الأسبوع الأخير من ديسمبر 2024، مسجلاً حجم تداول بلغ 1.1 مليار ورقة بقيمة 2.4 مليار جنيه، ليصبح واحدًا من أبرز القطاعات أداءً في السوق المالي المصري، وهذا النمو الكبير لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة لمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي عززت ثقة المستثمرين وزادت من جاذبية القطاع، وفي هذا التحقيق، سنتناول بالتفصيل أسباب هذا النمو، أداء الشركات الرائدة، والتوقعات المستقبلية للقطاع في عام 2025 وما بعده.
عوامل نمو القطاع العقاري
السياسات الحكومية الداعمة: لعبت الحكومة المصرية دورًا محوريًا في دعم القطاع العقاري من خلال إطلاق حزمة من السياسات والإصلاحات التي هدفت إلى تحسين بيئة الاستثمار، ومن أبرز هذه السياسات:
تسهيلات التمويل العقاري: حيث أطلقت الحكومة برامج تمويلية بفوائد منخفضة لتمكين المواطنين من شراء الوحدات السكنية، وهذه البرامج شجعت الطبقة المتوسطة على الاستثمار في العقارات، مما أدى إلى زيادة الطلب.
الإصلاحات التشريعية: تم تعديل بعض القوانين لتسهيل إجراءات التملك والاستثمار العقاري، مما جذب المستثمرين الأجانب، وعلى سبيل المثال، تم تبسيط إجراءات تسجيل العقارات، مما قلل من الوقت والتكلفة المطلوبة لإتمام الصفقات.
المشروعات القومية الكبرى: مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين، والتي تمثل نقاط جذب استثمارية كبيرة، وهذه المشروعات لم توفر فقط وحدات سكنية وتجارية، بل شملت أيضًا بنية تحتية متطورة ومرافق ترفيهية، مما جعلها جذابة للمستثمرين والمقيمين على حد سواء.
زيادة الطلب على الوحدات السكنية والتجارية: مع تزايد عدد السكان في مصر، الذي يتجاوز حاليًا 110 مليون نسمة، زاد الطلب على الوحدات السكنية بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى ذلك، شهدت المدن الجديدة نموًا في الطلب على الوحدات التجارية بسبب توسع النشاط الاقتصادي وزيادة الاستثمارات في قطاعات مثل السياحة والتجزئة، وهذا الطلب المتزايد أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات، مما عزز أرباح الشركات العاملة في هذا القطاع.
المشروعات الكبرى: مشروعات مثل العاصمة الإدارية الجديدة، التي تُعد واحدة من أكبر المشروعات العمرانية في الشرق الأوسط، ساهمت بشكل كبير في تعزيز القطاع العقاري، بالإضافة إلى ذلك، مشروعات مثل مدينة العلمين الجديدة ومشروع "مصر الخير" ساعدت في زيادة العرض العقاري وتنويع الخيارات المتاحة للمستثمرين، وهذه المشروعات لم توفر فقط وحدات سكنية وتجارية، بل شملت أيضًا بنية تحتية متطورة ومرافق ترفيهية، مما جعلها جذابة للمستثمرين والمقيمين على حد سواء.
أداء الشركات العقارية الرائدة
مجموعة طلعت مصطفى القابضة (TMGH)
تُعد مجموعة طلعت مصطفى واحدة من أكبر الشركات العقارية في مصر، وقد سجلت أداءً استثنائيًا في عام 2024، حيث حققت أرباحًا صافية بلغت 5.2 مليار جنيه خلال التسعة أشهر الأولى من العام، بزيادة قدرها 10.6% مقارنة بالعام السابق، كما ارتفعت مبيعاتها إلى 24.3 مليار جنيه، بزيادة 15% عن عام 2023، ويرجع هذا الأداء القوي إلى نجاح الشركة في تنفيذ مشروعاتها الكبرى، مثل "مدينة مدين" و"سراي"، بالإضافة إلى ذلك، استفادت الشركة من زيادة الطلب على الوحدات السكنية الفاخرة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الوحدات وزيادة هوامش الربح.
سوديك (OCDI)
سجلت شركة سوديك أرباحًا صافية بقيمة 1.8 مليار جنيه في التسعة أشهر الأولى من 2024، بزيادة نسبتها 20% عن العام السابق، كما ارتفعت مبيعاتها إلى 10.5 مليار جنيه، بزيادة قدرها 25%، ويرجع هذا النمو إلى نجاح الشركة في تسويق مشروعاتها الفاخرة، مثل "فايف ستارز" و"كابيتال سيتي"، بالإضافة إلى ذلك، استفادت الشركة من زيادة الطلب على الوحدات التجارية في المدن الجديدة، مما أدى إلى ارتفاع إيراداتها.
إعمار مصر (EMFD)
حققت الشركة نموًا في أرباحها بنسبة 107% خلال التسعة أشهر الأولى من 2024، لتصل إلى 10.3 مليار جنيه، مقارنة بحوالي 5 مليارات جنيه خلال نفس الفترة من 2023، كما ارتفعت إيراداتها بنحو 25% لتصل إلى 13.3 مليار جنيه، مقابل 10.6 مليار جنيه خلال نفس الفترة.
ويرجع هذا الأداء إلى نجاح الشركة في تنفيذ مشروعاتها الكبرى، مثل "إعمار سكوير" و"إعمار مارينا"، بالإضافة إلى ذلك، استفادت الشركة من زيادة الطلب على الوحدات السكنية في المدن الجديدة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الوحدات وزيادة هوامش الربح.
بالم هيلز للتعمير (PHDC)
سجلت بالم هيلز أرباحًا صافية بقيمة 1.6 مليار جنيه في التسعة أشهر الأولى من 2024، بزيادة نسبتها 23% عن العام السابق، كما ارتفعت مبيعاتها إلى 9.8 مليار جنيه، بزيادة قدرها 18%، ويرجع هذا النمو إلى نجاح الشركة في تسويق مشروعاتها الفاخرة، مثل "ذا فايو" و"ذا كايرو فيستيفال سيتي"، بالإضافة إلى ذلك، استفادت الشركة من زيادة الطلب على الوحدات التجارية في المدن الجديدة، مما أدى إلى ارتفاع إيراداتها.
مدينة مصر للإسكان والتعمير (MNHD)
حققت مدينة مصر أرباحًا صافية بلغت 1.2 مليار جنيه خلال التسعة أشهر الأولى من 2024، بزيادة نسبتها 20% عن العام السابق، كما ارتفعت مبيعاتها إلى 7.5 مليار جنيه، بزيادة قدرها 25%، ويرجع هذا الأداء إلى نجاح الشركة في تنفيذ مشروعاتها الكبرى، مثل "سراي القبة" و"سراي أكتوبر"، بالإضافة إلى ذلك، استفادت الشركة من زيادة الطلب على الوحدات السكنية في المدن الجديدة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الوحدات وزيادة هوامش الربح.
الشركات غير المدرجة في البورصة وتأثيرها
هناك العديد من الشركات العقارية غير المدرجة في البورصة المصرية استطاعت أن تحقق نجاحًا كبيرًا في سوق العقارات في مصر، وتمتلك تلك الشركات حافظة مشروعات متنوعة تشمل وحدات سكنية وتجارية وفندقية، كما استطاعت تلك الشركات أن تحقق نجاحًا كبيرًا في سوق العقارات المصري، بجانب الحرص الشديد على المنافسة العالمية لتقديم أفضل النماذج للسوق المصري، وحقق تسويق تلك المشروعات جذب العديد من مستثمري العقار من العرب والأجانب، ومن أبرز هذه الشركات على سبيل المثال لا الحصر:
بترهوم: وهي أول مطور عقاري بدأ اقتحام العاصمة الإدارية الجديدة لأول مشروع سكني، وتوالت المشاريع السكنية في العاصمة والتي تحمل اسم واحد "ميدتاون" (فيلا ـ كوندو ـ سكاي .... وغيرها)، كما تميزت بالمشاريع التجارية بالعاصمة كمشروع "كايرو بيزنس بلازا" والذي يتناسب مع مستويات الأعمال الراقية، وتهتم بترهوم بتقديم أفضل الخدمات والابتكارات للسوق المصري والعربي.
شركة منصات للتطوير العقاري: تعمل على تقديم مشاريع سكنية وتجارية متميزة، وتساهم في تطوير البنية التحتية للمدن الجديدة.
شركة العتال هولدينج: تركز على تقديم مشاريع سكنية وتجارية تلبي احتياجات السوق المتنوعة، وتسعى لتقديم حلول مبتكرة ومستدامة.
مصر إيطاليا العقارية: تعتبر من الشركات الرائدة في السوق العقاري المصري، وتقدم مشاريع متنوعة تشمل الوحدات السكنية والتجارية والإدارية. من أبرز مشاريعها "البوسكو" و"فينشي" في العاصمة الإدارية الجديدة.
شركة حسن علام العقارية: تُقدم حلولاً مبتكرة في القطاع العقاري وتعمل على تطوير مشاريع سكنية وتجارية متميزة.
شركة المستقبل للتنمية العمرانية: تشتهر بتطوير مدينة المستقبل التي تُعد واحدة من المدن الحديثة في مصر.
شركة دار مصر العقارية: تُعتبر من الشركات الحكومية الرائدة في تقديم وحدات سكنية بأسعار مناسبة، مثل "دار مصر للإسكان المتوسط" و"جنة للإسكان الفاخر".
التوقعات المستقبلية
استمرار النمو في عام 2025: من المتوقع أن يستمر القطاع العقاري في النمو خلال عام 2025، مدفوعًا بالعوامل التالية:
الاستثمارات المستمرة في المدن الجديدة: مثل العاصمة الإدارية ومدينة العلمين، والتي ستستمر في جذب الاستثمارات الكبيرة.
السياسات الحكومية الداعمة: مثل تسهيلات التمويل العقاري والإصلاحات التشريعية.
زيادة الطلب على الوحدات السكنية والتجارية: مع استمرار النمو السكاني والتحضر.
التحديات المحتملة
على الرغم من التوقعات الإيجابية، إلا أن القطاع العقاري يواجه بعض التحديات التي قد تؤثر على نموه، مثل:
ارتفاع أسعار المواد الخام: مما قد يؤدي إلى زيادة تكاليف البناء.
التقلبات الاقتصادية العالمية: التي قد تؤثر على تدفق الاستثمارات الأجنبية.
المنافسة الشديدة: بين الشركات العقارية، مما قد يضغط على هوامش الربح.
الفرص المستقبلية
رغم التحديات، تظل هناك فرص كبيرة للنمو في القطاع العقاري، مثل:
التحول الرقمي: حيث يمكن للشركات الاستفادة من التكنولوجيا لتحسين كفاءة العمليات وتجربة العملاء.
الاستثمار في المدن الذكية: التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة لتوفير خدمات أفضل للسكان.
التوسع في الأسواق الإقليمية: حيث يمكن للشركات المصرية الاستفادة من خبراتها للتوسع في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا.
شهد القطاع العقاري في البورصة المصرية خلال عام 2024 نموًا غير مسبوق، مدفوعًا بالسياسات الحكومية الداعمة وزيادة الطلب على الوحدات السكنية والتجارية، ومع التوقعات الإيجابية لعام 2025، يظل هذا القطاع محور اهتمام المستثمرين والمحللين على حد سواء، ومع ذلك، يجب على الشركات أن تكون مستعدة لمواجهة التحديات المحتملة والاستفادة من الفرص المستقبلية لضمان استمرار النمو والنجاح.
Copyright @2020 PPR. All Rights Reserved by